.
برزت الجمعيات كتحول لإرث اجتماعي منبثق من هياكل المجتمع المغربي على امتداد التاريخ. فالجماعة (لجمات) عبارة عن تنظيم جماعي اجتماعي يلبي حاجيات المجتمع المحلي (الدوار) فهو الجهاز التنظيمي النموذج الذي سار عليه المجتمع الامازيغــي منذ القدم في اطار سلطة الاعراف والتقاليد ثم الدين عندما دخل الاسلام المغرب .
وقد كان تنظيم "لجمات" في الدوار نمودجا رائعا لتدبير شؤون السكان وفضاءا لممارسة الحرية والمشاركة الفعالة للفرد في جماعته وخلية لخلق المبادرات الجماعية ولتجسيد روح التضامن، قيم ومبادئ اصبحنا في أمس الحاجة اليها في ظل الواقع الراهن للمجتمع عامة، وتراجع قيم التماسك الاجتماعي بتزايد حدة الإقصاء والتهميش لشرائح واسعة من السكان وتعرضهم للهشاشة والفقر.و بفعل عجز هذه المجتمعات عن المزاوجة بين إالانتاج والتطور الاقتصادي من جهة، وبين خلق فرص للعمل وتعميم العيش الكريم، وما يستلزمانه من عدالة اجتماعية من جهة أخرى .
امام هذا المعطى الجديد وبفعل المفهوم الجديد للجهوية اصبح لزاما على المجتمع المحلي ان ينخرط في تكثل اجتماعي محلي ليستطيع تحقيق مكاسب اجتماعية عبر التشبت بروح الجماعة وقيم التضامن والتماسك الاجتماعي للقضاء على اسباب التخلف عن ركب التنمية وطنيا .
وهكذا ظهرت الجمعيات كهياكل اجتماعية تلبي متطلبات المجتمعات المحلية وتساعدها على تحقيق مشاريع صغرى لفائدة الساكنة، ونشر مبادئ المواطنة وروح المبادرة لصالح التنمية البشرية .
و قد عرف المغرب سنة 1958 صدور ظهير الحريات العامة الذي أرسى أسس الإطار القانوني لتأسيس الجمعيات، حيث نشأ منذ ذلك التاريخ عدد كبير من الجمعيات والمنظمات شملت عدة ميادين،فاصبح العمل الجمعوي في حينه رافدا من روافد العمل الوطني ..
هذا وقد اصبح العمل الجمعوي هو الممارسة اليومية للتنمية من خلال الجمعيات التي ينتظم في إطارها أناس تجمعهم نفس القناعة حول قضية معينة أو مجموعة من القضايا الاقتصادية والاجتماعية من أجل تنظيم وتصريف تلك القناعات بصفة قانونية تقوم على أساس احترام مبادئ الديمقراطية والاستقلالية، مما يضمن تحقيق اهدافها المسطرة (ثقافية، اجتماعية، تنموية. تربوية..).
وباعتبار أن الانسان يبقى هو الثروة الحقيقية لأي بلد، وباعتبار ايضا أن قدرات اي بلد تقاس على أساس ثروتها البشرية وما تمتلكه من طاقات مؤهلة ومدربة وكفأة قادرة على الخلق والتفاعل مع كافة الأوضاع بفعالية ونجاعة.وكذلك باعتبار ان أسس الديمقراطية اصبحت تعتمد قيم الحرية والعدالة الاجتماعية، وعملت على الرفع من قيمة الفرد وأهميته الحقيقية في المجتمع.
كل هذه الاعتبارات اصبحت تفرض ايجاد علاقة ثنائية وتفاعلية بين التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية. لهذا فإن التنمية البشرية تعتبر إحدى المرتكزات الاساسية التي قامت على اعتماد الانسان كمحور للتنمية المستدامة في ظل عدالة اجتماعية حقيقية تضمن له العيش الكريم والحقوق الاجتماعيةوالاقتصادية بحيث اصبحت تتناول شتى المجالات، ليس تحسين الخدمات الاجتماعية والمعرفية وتحقيق مستوى معين من العيش الكريم فقط بل تمتد الى توفير فرص الإبداع الإنساني والمساهمة الفاعلة في النشاطات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في إطار مقاربة شمولية للتنمية.ويشمل ايضا مفهوم التنمية البشرية القائمة على المساواة الديمقراطية الاجتماعية.. بما يضمن الاهتمام والارتقاء بمجالات متعددة كالصحة والتعليم والخدمات وتوفير فرص الشغل وضمان العيش الكريم للفقراء، ممن يقطنون البوادي والمناطق النائية بالخصوص .
هناك علاقة جدلية بين مفهوم العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامةالمتوازنة. فالتماسك الاجتماعي الذي تحققه المشاركة وتكافؤ الفرص يؤدي بالضرورة الى تحقيق تنمية مستدامة حقيقية ترتكز اساسا على التنمية الاجتماعية والاقتصادية وحماية البيئة والتي لا يكون لها تاثير ايجابي ونفع وفائدة ملموسة في حال غابت العدالة الاجتماعية وانعدمت شروط تحققها والتي تشمل تكافؤ الفرص والمساواة في الحقوق والواجبات بين الافراد دون تمييز .
إن الاسس التي تقوم عليها العدالة الاجتماعية مبنية اساسا على الاهداف التنموية للمجتمع كمحاربة الفقر وتحسين خدمات التعليم والصحة وكافة المرافق الاجتماعية التي تستلزم التركيز على العنصر البشري باعتباره الثروة الحقيقية للمجتمع كما سبقت الاشارة الى ذلك في مستهل هذا البحث . فالعلاقة بين المكونين التنمية والعدالة الاجتماعية تقوم على التماسك الاجتماعي والشراكة المجتمعية في ظل المساواة والانصاف للدفع بالمجتمع الى حياة افضل واحسن .
وتجدر الاشارة الى ان اي عدالة اجتماعية تحتاج لتحقيقها الى الحرية الفردية في ابعادها الثلاثة الاجتماعية والحقوقية والاقتصادية بشرط تكافئ في الاستفادة من الفرص وحرية في التنافس العادل .
ان العدالة الاجتماعية تؤسسها ابعاد تتراوح بين البعد الاقتصادي والاجتماعي والبشري وكذلك الاقليمي نظرا الى حاجتها الى اشراك الجميع في الانتاج والاستفادة من الثروات والمساوات في الفرص والحقوق الاقتصادية تحت مظلة انعدام التمييز والفقر والحرمان والتفاوت الطبقي بين المناطق والافراد لذا فان التنمية المستدامة مرتبطة بشرط تحقق العدالة الاجتماعية الحقيقية والمواطنة .
Aucun commentaire :